تونس ثم مصر ثم من ؟
2011-02-12
؟
يَظْهَرُ أنَّ قدرَنا في هذه الأيامِ أن نشهدَ انكسارَ وزوالَ الظالمين، واحدًا إثرَ الآخر، وربما كانَ هذا من عظيمِ نعمةِ اللهِ علينا، أن نرى بعيونِنا تهاوي عروشِ الظلمةِ الطغاةِ في هذا العصرِ، الذي امتلأ بالظلمِ والطغيانِ لمدة ٍطويلةٍ منَ الزمن .
فقبل أيام قليلة شهدنا مع العالم كله سقوط الطاغية الكبير الملقب زوراً وبهتاناً "علي زين العابدين"، وقد كان بقبضته الأمنية يمسك بأنفاس التونسيين، حتى ثارت ثورة البوعزيزي فخمدت بها نار الرئيس المخلوع، فولى هارباً ولم يعقب، ولا حسرة ولا أسف عليه ولا على غيره من الظلمة الطغاة، وكم شاهدنا الدموع تنساب من عيون الملايين من أبناء تونس العزيزة، وهم في أول صلاة لهم، بلا بطاقات أمن، وبلا مراقبة ولم يتعلم طاغيةُ العصر الكبير ومجرم العالم العربي: "حسنى مبارك"، وبقي في غيه سادراً وفي ظلمه مستمراً، حتى دالت عليه الدولة بما فيها، وخرج المصريون الأحرار يطرقون بدمائهم أبواب الحرية والعدالة، وإذا بهم يواجهون بطاغية يزعم أنَّ له شهادةً عليا في "العِناد"، وإزاء هذا العناد لم يستكن الشباب فسال منه الدم، ولم يخف الأحرار فأزهقت منه الأرواح، ولم يغادر التحرير فنزع بين شدق أفاعي النظام الحرية والكرامة .
ثلاثون عامًا و"حسنى مبارك" هو عنوان السياسة والاقتصاد والاجتماع والزراعة والصناعة والثقافة –وحده- في مصر كلها، فهو القائم بأمر نفسه وشعبه، فهو الآمر الناهي، لم ير أمامه من أحدٍ، فهو لا يريهم إلا ما يرى، ولا رأي لهم إلا رأيه، وبقي حريصاً بقوة "البلطجة" على أن يبقى رئيساً ، بانتخابات مزورة سلفاً، ليتمكن من إحكام القبضة على شعب مصر ببلطجة الأمن وسرقة المال، ليرعب ويسحق بالعصا الغليظة وبالأدمغة الممسوخة كل من يقول : "لا"، حتى أصبح ما يُسَمَّى بمجلس الشعب فيه صوتٌ لكل شيء، إلا صوت الشعب !
وبالأمس قيل ل"علي زين العابدين" أصلح ولا تتبع سبيل المفسدين، فما استجاب لمن نصح، وما سمع لمن ذَكَّرَ، ولكنه أغلق عينيه وأذنيه، حتى وصلت أيدي أحرار تونس إلى عنقه، فقال : فهمتكم، ثم انصرف مخلوعاً لا أسف عليه .
واليوم وبأسلوبٍ مشابهٍ ومماثل، يخرج المصريون مطالبين برحيل "حسنى مبارك" عن كرسي الرئاسة، ولكنه استكبر وكان من المعاندين، فتفاجأ بخروج المصريون من الشوارع والأزقة ليلتقوا في ميدان التحرير، ثم في مصر كلها، وجمعوا الناس في مصر كلها على عبارة واحدة بلغتهم "ارحل يعني امشي ... يمكن ما بيفهمشي"، ولكنه مع الإصرار على نيل الحرية وصل إلى عبارة مشابهة لعبارة سلفه، فقال : "وعيتُ مطالبَكم" ثم انصرف غير مأسوف عليه، ألا بُعْدَاً ل"حُسْنِي مُبَارَك" كما بَعُدَ "زين العابدين" .
وفي هذه اللحظة التاريخية ونحن نشهد زوال عروش الظالمين، لا نجد في قلوبنا ذرة من أسف وحزن على رحيلهم، بل إننا منهيون بنص القرآن من التأسف عليهم [وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ] ، وبعد تيه بني إسرائيل جزاءَ ما كسبوا وما قدمتْ أيديهم، حَزِنَ نبيُّ اللهِ موسى عليه السلام، فقال الله له [فَلَا تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ] ومن بعد نبي الله موسى، أمرَ اللهُ نبيَهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم بمثلِ ذلكَ فقال [فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ] .
واليـــوم : أنظار كل المراقبين تتجه إلى الكثير من الدول العربية، والكل يتساءل من الذي سيكون بعد تونس ومصر؟ أي نظام سنشهد سقوطه قبل الآخر ؟ أي بلد سنرى الحرية فيها تنتزع من الأنظمة الجاهلية المعاصرة ؟ وهل هناك مسلسل من تحرك شعبي جديد ؟ أم أن أصحاب الأمر في البلاد المتبقية سيفهمون الدرس وحدهم، دون أن يخلعوا خلعاً وينزعوا من كراسيهم نزعاً ؟
هناك الكثير من الدول تتجه إليها أنظارنا، فالطغيان قد أصاب معظم الأنظمة العربية الحاكمة لشعوبها، وسنة الله في التغير لا تحابي أحداً [وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ] ، [وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ] ، والليلةُ حُبْلَى وسَتَلِدُ كُلَّ أَمْرِ عَظِيمٍ، و[قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ] ، وما ندري -والله- بأيهما نفرح، بخلع "علي" أو بهروب "حسني" ؟