إمامة المرأة للرجال في الصلاة
مصدرها: مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
التاريخ: 22/8/2007
الصلاة ركن من أركان الإسلام، فرضها الله عز وجل على المسلمين، وقد بَيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية أدائها، فقال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ" ([1]).
وأداء الصلاة في جماعة أفضل من أدائها منفردًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ الجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً" ([2])، وصلاة الجماعة تحتاج إلى إمام يُؤْتَمُّ به، والإمامة هي: ارتباط صلاة المصلي بِمُصَل آخر، بشروط بيَّنَها الشَّرْع.
ولا خلاف بين الفقهاء في أن إمامة الرجل صالحة للرجال وللنساء، في الفرض وفي النَّفل، أما إمامة المرأة للرجال فغير جائزة يستوي في ذلك الفرض والنفل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ لاَ تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلاً وَلاَ يَؤُمَّنَّ أَعْرَابِىٌّ مُهَاجِرًا وَلاَ يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا" ([3])، فالنهي واضح، وكذلك فإن الإمامة تقتضي التَّقَدُّم على المأموم، والمرأة مأمورة بالتَّأخُّر في الصلاة عن صفوف الرجال، كما في ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا" ([4]). فهذا الحديث يَحُثُّ على تأخير النساء، فلو أمَّتِ المرأة الرجال لخالفت هذا التوجيه النبوي؛ لأن شأن الإمام أن يتقدَّم على غيره، والنبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على تأخيرهن، فلا تجوز إمامة النساء، لما يترتب عليه من التقدم المخالف لما ورد في الحديث ([5]).
والمرأة إذا أمَّت الرجال فهذا لا يخلو عن ارتكاب محرَّم؛ لأن الصلاة يُتَطلب فيها خشوع القلب، وسكينة النفس، وتركيز الفكر في مناجاة الرب، واقتضت حكمة الله عزَّ وجل أن يخلق جسم المرأة على نحو يُخَالف جسم الرجل، وجعل فيه من الخصائص ما يُثِير الرجل، ويُحَرِّك غريزته، فتجنبًا لأي فتنة، وسدًّا للذريعة جعل الشرع الإمامة والأذان والإقامة للرجال، وجعل صفوف النساء خلف صفوف الرجال. فبهذا حرص الشارع الحكيم على حمايتهم من الافتتان، والإثارة، بمنع أسبابها وبواعثها ما أمكن ذلك، وخصوصًا في أوقات التعبُّد والمناجاة والوقوف بين يدي الله.
وهذا الذي قررناه هو مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو ما أطبقت عليه المذاهب الأربعة المتبعة.
وذهب نفر يسير من أهل العلم إلى خلاف ذلك؛ فمنهم من أجاز إمامتها في النفل دون الفرض، كما نقل عن الإمام أحمد في رواية؛ جاء في كتاب الفروع لابن مفلح الحنبلي: "ولا تصح إمامة امرأة بغير نساء وبنى عليه في المنتخب: لا يجوز أذانها لهم, وعنه: تصح في نفل, وعنه: في التراويح" ([6]).
وأجاز بعضهم إمامتها للرجال في الفرض والنفل سواء، وحكي هذا عن أبي ثور، وابن جرير الطبري، والمزني ([7])، وهو رأي محيي الدين بن العربي من الظاهرية ([8]).
واستدل هؤلاء بما روي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لها وأمرها أن تَؤُمَّ أهْلَ دارها، قال عبد الرحمن بن خلاد -الراوي عنها-: فأنا رأيت مُؤَذِّنَهَا شيخا كبيرًا ([9]). ووجه الدلالة: أن إذن النبي صلى الله عليه وسلم لها بالإمامة عام يشمل الفرض والنفل، ولا يصح أن نُحدَّدَه بالنفل؛ لأن صلاة النَّفْل لا يُؤذَّن لها، ومؤذِّنُها سيصلي ورائها وهو رجل -كما ورد في الحديث -، فدل هذا على صحة إمامة المرأة بالرجل في الفرض والنفل.
وأجاب الجمهور عن حديث أم ورقة بأن لا يصح إسناده؛ ففي إسناده الوليد بن جُمَيع وهو ضعيف. ولو قدر ثبوت ذلك لأم ورقة , لكان خاصا بها , بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة , فتختص بالإمامة لاختصاصها بالأذان والإقامة ([10]).
والحاصل أن إمامة المرأة للرجال في الصلاة فرضا كان أو نفلا أمرٌ مختلف فيه بين العلماء، وجماهير العلماء سلفًا وخلفًا على المنع من ذلك، وهو الذي عليه عمل الناس في مختلف الأعصار والأمصار، وهو المعتمد المفتى به.
ومما ينبغي أن يعلم أيضًا في هذا المقام وأن ينبه عليه أنه لم يقل أحد بجواز أن تؤذن المرأة وأن تخطب الجمعة بالناس وتؤمهم فيها، فهذا مخالف لإجماع المسلمين فقهًا وعملا، ولا يجوز الخروج عنه بحال، فلا يصح أن يخلط بين مسألتي إمامة الجماعة ومسألة خطبة الجمعة، كما حدث في بعض البلاد الغربية مؤخرًا من قبل بعض المنتمين إلى تيارات فكرية مشبوهة. والله تعالى أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أخرجه البخاري، كتاب الآذان، حديث رقم (634)، وكتاب الأدب، حديث رقم (6079).
([2]) أخرجه البخاري، كتاب الآذان، حديث رقم (648)، ومسلم، كتاب المساجد، حديث رقم (1509).
([3]) أخرجه ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة، حديث رقم (1134)، وسنده ضعيف كما في المجموع 4/ 151.
([4]) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، حديث رقم (1013)، وأبو داود، كتاب الصلاة، حديث رقم (678).
([5]) وهذا التأخير من قبيل قول العرب: "إنما أخرك ليقدمك"، فتأخير النساء في صفوف الصلاة ليس نوعًا من أنواع الحطِّ من كرامتهن، بل في ذلك إعلاء لشأنهن، ومراعاة للأدب العالي، وللحياء، وللتعاون بين المؤمنين ذكورًا وإناثًا على الامتثال للأمر بغض البصر.
([6]) الفروع لابن مفلح (2/18).
([7]) المجموع 4/ 152.
([8]) الفنوحات المكية 1/ 447.
([9]) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، حديث رقم (592).
([10]) المغني 1/ 253، 2/ 16.