القسام ـ تقرير :
في مشهد يدفعك للوقوف متأملاً أمام هيبة رحيل العظماء، هؤلاء الذين بذلوا حياتهم بصمت، عندما ابتعدوا عن صخب الحياة، وآثروا العمل بهدوء الواثقين، فتركوا آثارهم، ثم رحلوا بصمت.. ترى أفعالهم في عيون المشيعين المودعين، وفي كلمات من عرفوهم عن قرب أو بعد.
كان ذلك ماثلاً جليًا في جنازة الدكتور عدنان عبد الحافظ مسودي، أحد أعلام الرعيل الأول للإخوان المسلمين بفلسطين، وأحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الذي رحل إلى العلا يوم السبت (26-3)، ليلتحق بركب إخوانه الذين سبقوه من الشهداء والصالحين وحَسُنَ أؤلئك رفيقا.
عطاء متواصل
ومن كافة مدن وقرى الضفة الغربية شارك مئات من المواطنين وعلى رأسهم نواب حركة "حماس" في المجلس التشريعي ورئيس المجلس في جنازة فقيد الوطن والحركة الإسلامية بفلسطين.
و خلال التأبين تحدث الدكتور عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، ونائبه الدكتور أحمد بحر عبر الهاتف من غزة، والشيخ حامد البيتاوي رئيس رابطة علماء فلسطين، والشيخ تيسير مسودة مفتي الخليل، وأثنوا جميعًا على الفقيد، الذي قضى أكثر من 40 عامًا في خدمة أبناء وطنه ودينه ودعوته وعمله المتواصل على خدمة الأيتام.
وأكـد المتحدثون أن الوطن ومحافظة الخليل تحديدًا فقدت علمًا من أعلام العمل الإنساني والدعوي والخيري بفلسطين ، مستذكرين دوره الرائد في التربية الجهاد، ومواقفه الجريئة والشجاعة، وثباته على مبادئه.
ولد الدكتور عدنان عبد الحافظ مسودي في مدينة الخليل عام 1940، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الطب تخصص "أنف وأذن وحنجرة" من جامعه دمشق في سوريا، انتمى لجماعه الإخوان المسلمين في مراحل شبابه الأولى وظل ملتزمًا بها حتى نهاية الثمانينيات، حتى انطلقت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبرز كأحد قيادييها، حيث ساهم - رحمة الله - في صياغة ميثاقها مع العديد من القادة السياسيين للحركة.
في الإخوان و"حماس"
التحق الدكتور عدنان مسودي بمعسكرات الشيوخ في الأردن، وكان أحد المؤسسين لها، وعمل بمؤسسات الإخوان التي تبنت العمل الخيري والإنساني في الخليل منذ بداية السبعينيات، ومنها جمعية الإخوان المسلمين في الخليل والمستوصف الطبي التابع لها، كما ترأّس الهيئة الإدارية للجمعية الخيرية الإسلامية للأيتام.
والدكتور عدنان مسودي جريء لا يخشى في الحق لومة لائم؛ وكان كثيرًا ما يدافع عن دعوته وفكره السياسي وعن حركته في المؤتمرات والمهرجانات واللقاءات السياسية، حيث كان - رحمه الله - نشيطًا مفعمًا بالحيوية، وبالرغم من تكالب الأمراض عليه، إلا أنه كان سباقًا إلى زيارة الأسرى وأسر الشهداء وتلبية نداء الواجب.
ومن المواقف الجريئة التي نقلت عنه أنه وبعد أن قامت ميليشيا عباس بتعيين هيئة إدارية للجمعية الخيرية الإسلامية الأم في مدينة الخليل كان من بين الموجودين الدكتور عدنان مسودي؛ حيث قال للهيئة المعينة "إن نسخة من اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس في جيبي، وإنه فور توقيع المصالحة ستذهبون إلى بيوتكم، فلا تحلموا أن تسيطروا على هذه المؤسسة".
اعتقل في سجون الاحتلال الصهيوني عدة مرات، وأُبعد إلى مرج الزهور عام 1992، وكان نائبًا للأمير العام في المخيم ، كما اختطفته مليشيا عباس بتاريخ (8-12-2010)، واستمر التحقيق المتواصل معه حتى أصيب من شدة الضغط بذبحة صدرية، ونقل إلى مستشفى الميزان في الخليل وأجريت له عمليه قسطرة للقلب على وجه السرعة، في حين لم ترحم المليشيا مرضه وشيخوخته واستمرت باحتجازه والتحقيق معه لمدة أسبوعين.